ذات صلة

جمع

اعتداء خطير على شرطي بفاس خارج أوقات العمل يُسفر عن إصابة بليغة

فاس – شهدت مدينة فاس، مساء الأربعاء 3 يوليوز...

وسائل إعلام فرنسية: القبض على يوسف بلايلي في مطار شارل ديغول

باريس – يوليوز 2025 أيمن سيمكي_les7tv ألقت الشرطة الفرنسية القبض على...

وزارة التربية الوطنية تختبر جهازاً متطوراً لرصد الغش في امتحانات الباكالوريا

الرباط – 3 يوليوز 2025 أحمد الزوبيري_les7tv شرعت وزارة التربية الوطنية...

الدولة – المنصة « Etat- plate forme ».. آلية فعالة لمعالجة التظلمات ضد الادارة: الطلبيات العمومية نموذجا .

ياسين نجاحي _ LES7TV

يشكل نظام الطلبيات العمومية ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، نظرا لكونه يشمل نسبة هامة من النفقات العمومية ويؤثر بشكل مباشر على مناخ الأعمال والثقة في الإدارة لدرجة يمكن القول معها أن طريق التنمية يمر لزاما عبر الاستثمارالعمومي؛ وفي هذا الإطار، تلعب آليات التظلم دورًا محوريًا في ترسيخ مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص وضمان الإنصاف.

غير أن واقع التظلمات في هذا المجال ظل لسنوات يعاني من تشتت الآليات، ضعف التنسيق المؤسساتي وقصور في آليات التتبع والتقييم؛ وفي ظل التحول الرقمي والإرادة الوطنية لترسيخ الحكامة الجيدة، برزت الحاجة إلى مراجعة شاملة لمنظومة التظلم في مجال الصفقات العمومية خصوصا، وفق تصور جديد يتجاوز الشكل التقليديفي التنسيق بين الهيئات والمؤسسات والمجتمع المدني، وخلق منصة رقمية موحدة ومندمجة.

في هذا السياق أستثمر ما قاله السيد حسن طارق وسيط المملكة بمناسبة ندوة نظمها مختبر الانتقال الديمقراطي بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات بمقر مؤسسة وسيط المملكة بالرباط يوم الاربعاء 18 يونيو 2025 حول موضوع أدور مؤسسة الوسيط بين المنازعات واختلالات الحكامة، لأشارك حلما طالما راودني حيثأكد في مداخلته أننا نعيش اليوم تطور مفهوم الدولة إلى الدولة – المنصة كتطور تاريخي وامتداد طبيعي لها بدء من دورهاكحارسة.

إن تناول هذا الموضوع جاء في سياق البحث في حقيقةفعالية التنسيق بين الهيئات المكلفة بتدبير تظلمات المرتفقين وأخص بالذكر تظلم المقاولات التي تنشط في مجال الطلبيات العمومية، والتي تبلغ أوجها في الاقتصار على توجيه الشكايات ذات الصلة وتوزيعهابين مختلف القطاعات الحكومية والهيئات الدستورية بحسب الاختصاص دون القدرة على نقاش أو مساءلة مردوديةهذا التنسيق المفترض أو تقييمه.

ولأن مفهوم التظلم ضد الإدارة قد يتطور بشكل تلقائي ليرتقي الى المفهوم الحقوقي والقضائي، فان المغرب يعتمد في إطار معالجة هذه التظلمات على الكثير من الهيئات والآليات المختلفة، نستحضر منها الهيئات التاليةولن نتوسع في مناقشة الجهاز القضائي أو الجمعيات الناشطة في الميدان:

مؤسسة الوسيط

المجلس الوطني لحقوق الانسان

المجلس الأعلى للحسابات

مجلس المنافسة

اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية

المفتشية العامة للمالية من خلال أبرز قناة ممثلة في موقع شكايتي

المفتشية العامة للإدارة الترابية من خلال أبرز قناة ممثلة في موقع شكايتي

المفتشيات العامة للوزارات من خلال أبرز قناة ممثلة في موقع شكايتي

 

لتقديم شكاية إلى إحدى المؤسسات السالفة الذكر، يُلزم المشتكي باحترام مجموعة من الشروط الشكلية التي تضمن قبول شكايته ودراستها،والمتمثلة فيما يلي:

صياغة الشكاية بشكل مكتوب:
يجب أن تكون الشكاية محررة كتابياً، سواء بصيغة ورقية أو إلكترونية، حسب القناة التي تعتمدها المؤسسة المعنية (مثل إرسالها بالبريد، أو عبر المنصة الرقمية chikaya.ma، أو عن طريق الإيداع المباشر)

تضمين الهوية الكاملة للمشتكي:
من الضروري ذكر الاسم الكامل، العنوان، ورقم الهاتف أو البريد الإلكتروني. وفي بعض الحالات، كالتبليغ عن شبهات فساد، يمكن قبول الشكايات مجهولة المصدر شرط أن تكون معززة بدلائل واضحة.

تحديد الجهة أو الإدارة المعنية:
يجب أن يُذكر بوضوح الطرف المشتكى به، سواء كانت إدارة عمومية، جماعة ترابية، أو صاحب مشروع.

بيان موضوع الشكاية بشكل واضح ومفصل:
ينبغي للمشتكي أن يعرض وقائع الشكاية بدقة، مع تحديد الصفقة أو المشروع موضوع النزاع، وإبراز أسباب التظلم أو الادعاء.

إرفاق الوثائق الضرورية:
يتوجب دعم الشكاية بكل ما من شأنه إثبات صحتها، مثل: نسخ من الإعلان عن الصفقة، دفتر الشروط، الرسائل المتبادلة مع الإدارة، نسخ من العروض المقدمة، أو تقارير تفيد بوجود خروقات محتملة.

احترام الآجال القانونية:
خصوصاً بالنسبة لبعض المؤسسات، كـاللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، التي تفرض أجلًا لا يتعدى 15 يومًا من تاريخ العلم بالقرار أو الإجراء المشكوك فيه لتقديم الشكاية. هذا الأجل يمكن تمديده لمرة واحدة ولمدة مماثلة إذا وُجد مبرر مقبول.

عدم اللجوء المتزامن إلى القضاء:
بالنسبة لبعض الهيئات كوسيط المملكة، يُشترط ألا يكون النزاع معروضاً على القضاء، لأن اختصاص الوسيط ينحصر في النزاعات الإدارية غير القضائية.

استنفاد المساطر الأولية أمام الإدارة:
يتعين على المشتكي أن يكون قد حاول سلفاً حل النزاع مع الإدارة المعنية، سواء عبر مراسلتها أو طلب التوضيح أو التظلم الإداري، قبل اللجوء إلى الهيئة المختصة بالشكايات.

الجدية والمصداقية:
يجب أن تكون الشكاية جدية ومبنية على وقائع ملموسة، وأن لا يكون الغرض منها التشهير أو الكيد، وإلا فإنها قد تُرفض أو تُحفظ دون متابعة.

إسقاطا لما سلف بسطه على المؤسسات المعنية بالنظر في التظلمات ضد الإدارة في ميدان الطلبيات العمومية يتضح بالدليل القاطع أن الطابع الشكلي يبقى حاسما في مسألة قبول الشكاية من عدمه، الشيء الذي أفرز لنا إشكالات حقيقية يمكن تقسيمها الى ثلاث مستويات:

المستوى الأول : لابد للإشارة أن عبارة “لا يُعذر أحد بجهله للقانون” تُعدّ من المبادئ القانونية الراسخة في معظم الأنظمة القانونية، وتهدف إلى حماية الأمن القانوني ومنع التهرب من المسؤولية بحجة الجهل؛ ومع ذلك، فقد تعرّضت هذه القاعدة لعدة انتقادات و أضحت متجاوزة، من قبيل أنه من الصعب الإحاطة بجميع القوانين، إذ أن التشريعات تتزايد وتتعقّد باستمرار، وهو ما يجعل من غير الواقعي أن يُطالَب كل شخص، خصوصًا المواطن العادي، بالإلمام الكامل بجميع القوانين خاصة أن بعضها قد تكون فنية أو تقنية ومعقدة لا يفهمها إلا أهل الاختصاص.

كذلك غياب الثقافة القانونية؛حيثأنمعظمالأفراد لا يتلقون تعليماً قانونياً كافياً، ناهيك عن التفاوت الكبير بين الطبقات الاجتماعية في القدرة على فهم وتفسير النصوص القانونية.

بالإضافة إلى طبيعةالتفاوتبين القوانين العامةوالمتخصصة حيث يصعب مطالبة الناس بمعرفة قوانين إدارية دقيقة ومعقدة.

وأخيرا؛التغيير الدائم و السريع للقوانينيجعل متابعة التعديلات أمراً صعباً حتى على المحامين أحياناً،فما بالك بالمواطن العادي، لذلك يمكن القول أنه من الناحية العلمية مسألة إلزام المرتفق باحترام كل هذه القوانين و الاجال و الصيغ الواردة بصيغة الأمر تجعله ينفر منها و يعطي حكما مسبقا عن عدم جدواها ، خاصة اذا بادر الى مراسلتها و رفضت شكايته لأسباب شكلية.

المستوى الثاني: تعدد منافذ التظلم تطرح اشكالاً يتعلق بخلق نوع من التنافس بين هذه المؤسسات حيث أن هذا التزاحم يضع المرتفق في موقع انتقاء وحيرة في سلك مسطرة معينة دونا عن غيرها، بل و قد يباشر الى مراسلتها كلها دفعة واحدة مدفوعا بإحساسه بالظلم بما فيها الجهاز القضائي مما يترتب عنه تلقائيا رفض تظلمه لدى الهيئات غير القضائية.

من الناحية العملية يبقى مفهوم التنسيق بين جميع الهيئات السالفة الذكر صعب التحققبالإضافة إلى أنه سيكون حتما على حساب الوقت والذي يعني الشيء الكثير في ميدان الأعمال.

جدير بالذكر أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت كذلك تطرح نفسها كبديل بزعمهاأكثرمصداقية مستغلة الاكراهات الشكلية التي تطرحها القنوات الرسمية التابعة للدولة.

المستوى الثالث:هذا التنوع في المؤسسات المكلفة بالتظلم في ميدان الطلبيات العمومية جعل من اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية أهم إدارة يتم طرق بابها لطرح هذه التظلمات بالرغم من أنها قانونا مجرد لجنة تابعة لرئاسة الحكومةوآراؤها استشاريةفقط وغير ملزمةللإدارة.

أمام كل هذه التحديات السالفة الذكر يمكن طرح سؤال جوهري مفاده،ألم يحن الوقت للتفكير بجدية لإنشاء منصة موحدة تجمع كل الجهات المكلفة بتظلمات المقاولين في ميدان الطلبيات العمومية و تسهر من خلالها لجنة على توجيهها بحسب الاختصاص؟

قد يبدو الأمر كأنه حلم يبقى تنزيله صعبا باعتبار أن الخط الفاصل بين جميع الفاعلين في هذا الباب غير واضح المعالم لكنه يستحق المجازفة. لماذا ؟

هذه الفكرة تعتمدعلى ضرورة التحول في مفهوم التنسيق المؤسساتي من خلال تجاوز معالجة منفردة للتظلمات إلى نهج مندمج عبر تراتبية بين المؤسسات تلعب فيهمؤسسة الوسيط دور التنسيق و التتبع لتدبير التظلمات و في نفس الوقت تمكن الهيئة الوطنية للنزاهة من تتبع ملفات الفساد المالي المرتبطبالطلبيات العمومية.فمسألة إرساء منصة إلكترونية وطنية موحدة للتظلمات تتوفر على نظام تتبع إلكتروني لمراحل معالجة التظلم سيسمح بتسريع المعالجة وتقليص الكلفة الزمنية والإدارية و بالتالي تجاوز عدد هام من الشكليات،توحيد الجهود، تطوير الكفاءات، والنتيجة هي طبعاإعادة الثقة في المؤسسات.

كذلك ستمكن هذه المنصة من تجاوز التشتت المعلوماتي بين المؤسسات الفاعلة و تحسين جودة البيانات وتحليلها لتطوير السياسات ذات الصلة مع ربط مباشر مع قواعد بيانات الصفقات العمومية وتوفير معطيات دقيقة وموحدة الشيء الذي سيساهم لا محالة في تجويد عمل المرصد المغربي للطلبيات العمومية، مرصد مراقبة آجال الأداء و مرصد تقييم السياسات العمومية.

كما يمكن من خلال هذه المنصةإشراك المجتمع المدني كملاحظ ومساهم في تتبع الشفافية وتمكينه من التتبع والمساءلة عبر إنشاء واجهة موحدة لجميع المرتفقين (مقاولات، جمعيات، باحثون أكاديميون و مواطنين).

إن استثمار توحيد الجهود من خلال اشراك المجتمع المدني من شأنه أن يحل معضلة النقاش السياسي و القانوني الحالي و المتعلق بحق جمعيات في تقديم الشكايات المرتبطة بالمال العام، إذ يمكننا أن نتصور كيف ستساهم هذه المنصة في تأطير التظلم و مناقشة جديته، كما أن هذه المنصة ستسمح بالضرورة بإصدار تقارير دورية حول أداء الهيئات المعنية و حول الخروقات البنيوية والمتكررة عبر لوحةقيادة وطنية لتقديم مؤشرات دورية حول التظلمات و بالتالي اقتراح تعديلات على النصوص القانونية والتنظيمية المرتبطة بالطلبيات العمومية مستندة إلى بيانات واقعية لتجاوز الثغرات النظامية المتكررة كما أنتوحيد الجهود سيسمح بتجويد التوصيات و بالضرورة ستكون ملزمة للفاعلين الاقتصاديين خاصة الادارة.

أخيرا لا يخفى على أحد أنتوظيف الذكاء الاصطناعي في مجال تظلمات الطلبيات العمومية يمكن أن يمثل ثورة حقيقية أيضا في تحسين الشفافية، تسريع المعالجة، وتقوية ثقة الفاعلين الاقتصاديين في النظام القانوني للطلبياتالعمومية ، بدء من التحليل الاولي للشكايات وانتهاء بتصنيفها و تتبعها.

طبعا هذا المقترحسيطرح نقاشا حاداموازيا حول تجاوز الإطار القانوني للهيئات الدستورية والهياكل الإدارية المكلفة بتتبع الشكايات، لذلكأظن جازما أن ساعة الحسم في أبستمولوجيا القانون الإداري بالمغرب باتت وشيكة وأن الركون إلى النظام الأنجلوسكسوني أضحى أكثر واقعية في التعامل مع هذه المعضلات.

كما أن علم الادارة لا يجب تناوله حصرا من الجانب القانوني الصرف مجردا من الطابع الإنساني خاصة عند تناول الإحساس بالظلم للمرتفق دون الارتكان إلى الجانب التدبيري و المعقلنأو كما قالالسيد وسيط المملكة في نفس المناسبة.