Les7tv – خالد الحافظ
هل مياه الشرب في آسفي صالحة للاستهلاك؟
تحقيق ميداني في زمن تحلية البحر وتحديات الثقة .
📍 آسفي، المغرب – يونيو 2025
مع تصاعد حرارة الصيف وتزايد الاعتماد على محطات تحلية مياه البحر، تعود إلى الواجهة أسئلة ملحة حول جودة المياه التي تصل إلى صنابير سكان مدينة آسفي، الواقعة على الساحل الأطلسي المغربي. فهل المياه المقدمة لهم اليوم صالحة فعلاً للشرب؟ وهل تستجيب للمعايير الوطنية والدولية؟ أم أن ثمة مؤشرات تدق ناقوس الخطر بصمت؟
محطة تحلية البحر: أمل الماء في زمن الجفاف
في سياق التغيرات المناخية المتسارعة، وتراجع مخزون السدود إلى أدنى مستوياته منذ عقود، دشنت مدينة آسفي، بشراكة بين المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) وشركة “Green Water”، أول محطة لتحلية مياه البحر في المدينة سنة 2023، بطاقة إنتاجية بلغت 30 مليون متر مكعب سنوياً، مع إمكانية مضاعفتها بحلول 2027.
تُستخدم في هذه المحطة تقنية “التناضح العكسي” (Osmose Inversée)، وتخضع المياه المنتَجة لمراقبة دورية من طرف مختبرات معتمدة، بحسب بلاغ رسمي صادر عن وزارة الداخلية والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. يؤكد البلاغ أن المياه “مطابقة لمعايير الجودة الوطنية والدولية، وخالية من أي مؤشرات ميكروبية أو كيميائية ضارة”.
من المختبر إلى الحي الشعبي: الثقة ما تزال منقوصة
ورغم هذا الإطار الرسمي المطمئن، لا تزال ثقة الساكنة متأرجحة. في أحياء كـ”الحي المحمدي” و”المدينة الجديدة”، يؤكد العديد من المواطنين أنهم يعتمدون على المياه المعدنية أو المفلترة منزليًا للشرب، فيما تُستخدم مياه الحنفيات في التنظيف والطهي فقط.
يقول عبد الجليل، موظف متقاعد:
“ما كنشربش من ماء الروبيني منذ 2019… المذاق تغيّر، وحتى الأبناء ديالي كيجيبوه من المحلات. باش نكون فالسليم”.
بينما ترى فاطمة، سيدة أربعينية، أن “مياه آسفي غير مضرة، لكن لا يُفضَّل شربها مباشرة”. وتضيف:
“من الأفضل استعمال فلاتر، حيت حتى لو كانت صالحة، الفلتر يضيف أمان أكثر”.
غموض الأرقام: أين نتائج التحاليل؟
رغم التصريحات الرسمية، تبقى نسب التلوث الدقيقة غير منشورة للعامة. ولا تتوفر أي تقارير دورية منشورة توضح تركيز المواد التالية:
- الملوحة (Chlorure – Sodium)
- الفلورايد
- النترات
- المواد العضوية أو البكتيريا
وفي الوقت الذي تشير فيه بعض الدراسات الصناعية أن مخلفات المنشآت الساحلية في آسفي تحتوي على نسبة مرتفعة من الفلورايد (8.4 غرام/كلغ في الرواسب الصناعية)، فإن مصادر الماء المنزلي –وفق المسؤولين– لا تتأثر بذلك بحكم الفصل بين مياه الشرب والمياه المصرفة.
رأي الخبراء: صالح لكن بحاجة للشفافية
د. هشام الركراكي، أستاذ علوم البيئة بكلية آسفي، يرى أن الماء في المدينة صالح تقنيًا للشرب، لكن يشدد على “ضرورة إشراك المواطنين في الثقة من خلال النشر الدوري للتحاليل الكيميائية والبكتيرية من مصادر مستقلة”.
ويضيف:
“التحلية هي المستقبل، لكن نجاحها لا يقاس فقط بالتقنية، بل بشفافية الإدارة وثقة المواطن”.
هل هناك مخاطر على المدى البعيد؟
المياه المحلاة غالباً ما تكون منخفضة في الأملاح المعدنية الطبيعية، مثل الكالسيوم والمغنيزيوم، وهو ما قد يؤثر –وفق بعض الدراسات الطبية– على الصحة العظمية على المدى الطويل، إن لم يتم تعويض ذلك بنظام غذائي متوازن أو تدخل تقني يضيف المعادن الضرورية بعد التحلية.
وعليه، يُوصي الخبراء بـ:
- تركيب مرشحات غنية بالمعادن.
- تتبع مصادر الماء في كل حيّ بانتظام.
- الضغط من أجل نشر التقارير البيئية بشفافية.
خلاصة: بين الأرقام الرسمية وهمس الساكنة
بين ما تؤكده البلاغات الحكومية من جودة، وما يرويه المواطنون من تشكّك، تبقى الحقيقة قابعة في الوسط: مياه آسفي اليوم صالحة من حيث المعايير التقنية، لكنها تحتاج إلى دفعة ثقة شعبية، تبدأ من نشر نتائج التحاليل دورياً، وتفعيل الرقابة البيئية المستقلة.
فالثقة في قطرة الماء، كما في قطرة الحقيقة… لا تُعطى، بل تُكتَسب.